*****************علاقة اللغة بالفكر*****************
*مقدمة :يعتبر موضوع اللغة من المفاهيمالشائكة والمعقدة نظرا لما تطرحه من قضايا جدلية فهي ترتبط بدراسات نفسيةمن جهة ومن دراسات فيزيولوجية من جهة أخرى ، وعلى هذا النحو اختلفالفلاسفة في تعريف اللغة إذ كان فيلسوف يعرفها حسب مفهومه الخاص إلا أنهماجمعوا على أن اللغة قد تكون رموز وإشارات قصد التفاهم وقد تكون ألفاظمنتظمة لها دلالات معينة ، ومن بين المواضيع المعقدة التي أثارتاهتماماتنا هي علاقة اللغة بالفكر ذلك الفكر الذي هو عبارة عن معانيوتصورات يصورها لنا العقل وفي هذه النقطة انقسم جمهور الفلاسفة إلى معارضو مؤيد للغة ومنهم من اتهمها بأنها قبور المعاني ، ولكن هل يجوز لنا اتهاماللغة بأنها تعرقل الفكر؟وهل يمكننا أن نفصل اللغة بكل بساطة عن الفكر وبعبارة أوضحما مدىتأثيراللغة في الفكر؟؟؟.
**التحليل :**
اللغة تعرقل الفكر ـ الاتجاه الثنائي ـ*يرى معظم الفلاسفة الحدسيين أمثال الفيلسوف الفرنسي بروغسون أن عدمالتناسب بين ما تملكه من الأفكار وما تملكه من ألفاظ يعود إلى ما يلي : ـالفكر متقدم عن اللغة ويظهر ذلك من توقف المتكلم أو الكاتب عن الحديث أوالكتابة وترددها بحثا عن اللفظ أو العبارة المناسبة لأداء المعنى المقصود . ــ تجاوز الفكر بدلالة اللفظ إذ اللفظ لا يعبر إلا على تعارف المجتمعوتبقى جوانب كثيرة مما يجده الإنسان في نفسه من المعاني يصعب التعبيرعنها. ــ الفكر متصل والألفاظ منفصلة ألأمر الذي يجعل اللغة قابلة للتحليلأو التركيب ثم إن الألفاظ جامدة و ثابتة إذا أقيست بتطور المعاني وبتبدلهامن وقت إلى أخر وعلى هذا يصعب التعبير بواسطة هذه الألفاظ عن الحياةالفكرية الباطنية تعبيرا دقيقا لأن عالم الأفكار عالم متصل و عالم منفصل . ـ فاللغة كما يلاحظجسبرينبمفرداتها و صيغتهاالثابتة قد أجبرت الفكر على أن يسلك سبلا مطروقة حتى أنهم والى اختفاءالأولين و آل بهم الأمر إلى أن كان تفكيرهم أشبه ما يكون بتفسير ما سبقهم . والفكر فيض من المعاني المتصلة في تدفق لا تسعه الألفاظ وهذا ما يجعلاللغة تعرقل الفكر لأنها تقيده وتجمد حيويته حتى قيل*الكلمات قبورالمعاني* ثم التوازي أو التداخل الذي تتميز به العلاقة بين الفكر واللغة ليست فيالواقع مطلقا فاللغة عبارة عن رموز اصطلاحية و نوصف بأنها اجتماعية عاميةفي حين أن التفكير يتسم قبل كل شيء بالخاصية الذاتية فهو انعكاس لشخصيةالفرد .
* مناقشة :
صحيح إن الإنسان أحيانا يتوقف بل يعجز عن التعبير عما يريد لكن هذا لايعني استقلالية الفكر عن اللغة كما ذهب إليه بعض الحدسيين ولا تثبتهللواقع إذن كيف يمكن أن تمثل في الذهن تصورات لا اسم لها؟وكيف تتمايز الأفكار فيما بينها لولا إدراجها في قوالب لغوية .
* نقيض القضية :اللغة تساعد الفكرــ الاتجاه الأحاديــيذهب فلاسفة اللغة إلى القول أن اللغة هي الوعاء الذي تصب فيه الأفكاروأكدوا على وجود وحدة عضوية بين اللغة و الفكر وحججهم في ذلكما يلي :ـ لا وجود لمعنى إلا إذا تميز عن غيره من المعاني ، لا يكون التمايز إلابعلامة يدركها الإنسان سواء بالتعبير عنها أو بالإشارة إليها مما يسمحللغة بإدراكها . ــ لقد كشف علم النفس في تكوين المعاني لدى الأطفال معاكتسابهم للغة وفقدان اللغة يلازمه اختلال في المقومات الذهنية ، ودلتالتجارب أيضا على أن الطفل يتعلم الألفاظ ويرددها قبل أن يعي أي يرددالكلمات قبل الأفكار ويقولكوثدياكالمعاني المجردة تولد من الحواس ومعنى ذلك أن كل فكرة وصورة أصلها اللفظ أو الاسم الذي يلقيانه بواسطة الحواس .
إذا افتراضا نظريا وجود معاني متوجة في تدفق يبقي هذا الافتراض خياليا إذلا يكون لهذه المعاني وجود واقعي ما لم تحددها ألفاظا تلبسها حلة اجتماعيةفالإنسان لا يمكن أن يتصور بوضوح إلا ما انتظم في نسق من الألفاظ والرموزالمكتسبة وهو يسمي الأشياء المعروفة .... فيتميز باعتبارها الأشياء التيلا يعرف لها اسما وبهذا يتأكد التلاحم بين الأفكار و الألفاظ فلا لغة بدونفكر ولا فكر بدون لغة .
ــ يقول الفيلسوف الأ نجليزيهاملتونأن المعاني شبيهة بشرار النار لا تومض إلا لتغيب ولا يمكن إظهارها وتثبيتها إلا بالألفاظ&فالألفاظ حصون المعاني&ــ كما شبهماكس مولرالتداخل بين الفكر واللغة بالقطعة النقدية حيث قال : $ليس ما ندعوه فكر إلا وجهمن وجهي القطعة النقدية والوجه الأخر هو الصوت المسموع والقطعة شيء واحد غير قابل للتجزئة$كما يشيرما رلوبالتيأيضا إن الفكر لا يوجد خارج الكلمات أما في نظر ولسن أن التفكير بدون لغةكالقلم بدون حبر ، فنقول إن الفكر بالنسبة للغة كالروح بالنسبة للجسد .
-مناقشة : إن عالم العواطف والمشاعر يحتاج إلى لغة خاصة وقد تعجز اللغة في كثير من الأحيان عن التعبير عن أفكارنا كما ذكر لنابرغسون.
ـالتركيب : اللغة هي الوسيلة الأساسيةلنقل أفكارنا إلى غيرنا ولولاها لضاع تراث البشرية والأفكار لا تتضح إلاباللغة فهي تضع الفكر في الوقت الذي يضعها الفكر كما قال دولاكرون لذابقيت بعض المعاني الروحية أوسع من الفكر فان ذلك يشكل حافزا للعلماءواللغويين في أن يبعثوا أكثر ويبدعوا ألفاظ جديدة تسع عالم الروح والعواطفإن استطاعوه إلى ذلك سبيلا .
*** الخاتمة :
إذا كانت اللغة تعبر حقا إلاعلى القليل من مضمون الفكر فلا ينبغي رفضها لأن الفكر بأوسع معانيه بحاجةإليها فهي بالنسبة إليه أداة توضح وتنظم ، فالعجز الذي يصيب اللغة لا يجبأن يوحي برفضها كوسيلة للتواصل ، إن التخلي عنها يعني إنكار الفكر .